أخبار وطنية لأوّل مرّة في التاريخ السياسي العالمي: نداء تونس يفوز، ويفوّت في وزارات السيادة!!
بعد الإعلان عن الحكومة الجديدة من قبل السيد الحبيب الصيد، اتّضح انّ حزب نداء تونس هو الحزب الوحيد في العالم ـ ومنذ نشأة النظم الديمقراطية ـ الذي يفوز في الانتخابات التشريعية ثم يعيّن رئيس حكومة مستقلا ووزراء دفاع وعدل وداخلية ليسوا من أعضائه!
هذه معجزة تونسية جديدة لم يستسغها أحد لأنّه لا يمكن لأيّ حزب أن يحكم ـ ولو نسبيّا ـ البلاد وأن يجسّد سياسته وينجز مشاريعه دون أن تكون هذه الوزارات الهامّة والاستراتيجيّة بيده... فما هي الأسباب التي دفعت حزب نداء تونس الى التخلّي عن هذه الوزرات وإشراك النهضة، مع العلم أنّ الأستاذ راشد الغنّوشي كان قد صرّح انّ البنك العالمي حثّ «نداء تونس» على اشراك حزبه في الحكومة؟
في ما يخصّ وزيري الدّفاع والعدل فانّ أغلب المحللين يعتبرون انّ السيد فرحات حرشاني ومحمد الصالح بن عيسى محايدان وسيخدمان تونس بكل جدّية واقتدار، خاصّة أنّ الجيش الوطني يخوض حربا شرسة على الارهاب وهو بحاجة الى امكانات جديدة والى انهاء تأثير بعض أطراف الترويكا، كما انّ وزير العدل سيجد نفسه أمام وزارة وقع اركاعها ـ نسبيا ـ حتى أصبحت في بعض الحالات تخدم مصالح حزبي النهضة والمؤتمر، مع التذكير بأنّ أمنيين وديمقراطيين ورجال قانون «فوجئوا» بإطلاق سراح ارهابيين تمّ ايقافهم من قبل الأمن!
أما وزير الدّاخلية السيد ناجم الغرسلي، فإنّ أجزاء هامّة من الرأي العام التونسي ـ من ضمنهم قضاة ـ انتقدوه بشدّة واعتبروا انه ليس الرجل المناسب لقيادة هذه الوزارة الحسّاسة نظرا إلى خدمته لنظام بن علي، فما الذي جعل الحبيب الصيد يثبّته في منصبه والحال انّ وزارة الداخلية بحاجة الى تغيير قيادات أمنية خدمت النهضة وخدمت الارهاب.. كما يتعيّن تعيين آمر حرس جديد يكون أكثر حزما وصرامة في حربة على الارهاب، وتجميد أو اقصاء كل عون أو اطار من هذا السلك ثبت تعاطفه أو تواطؤه مع الارهابيين..
أمّا السيد رئيس الحكومة فهو رجل معروف بدماثة أخلاقه وكفاءته، وفضلا عن ذلك فلا أعداء له بما أنه رجل وسطي ووفاقي يشبه في طبعه المرحوم الباهي الأدغم الذي كان ـ على الدوام ـ «الرجل الثاني» وخدم بلاده بإخلاص..
لكن لماذا تخلّى حزب نداء تونس عن هذا المنصب الهام؟ لماذا لم يعيّن فيه أحد قادته وهم عديدون؟ هل انّ السيد الباجي اختار السيد الصيد حتى يفرض عليه اختياراته بكل سهولة بما أن الوزير الأول شخصيّة «ادارية» وليس «شخصيّة سياسيّة»؟
ثمّ لماذا أقصيت الجبهة الشعبيّة؟ هل كانت شروط هذا التحالف غير واقعيّة ومجحفة فلم تقبل بها الجبهة أم انّ هناك توجها ليبيراليا واضحا مفروضا على الحكومة التونسيّة من الخارج حتى تشارك النهضة في الحكم ويقع «ابعاد» اليسار؟
ثمّ لماذا تخلّى «نداء تونس» عن وزارات السيادة والحال أنه هو الذي سيحاسب على فشل هذه الحكومة أو نجاحها، وبالتالي لن يحق له أن يتذرّع بأنّ الأحزاب الأخرى فشلت معه، وهذا في صورة الاخفاق طبعا!
ثمّ هل تجهل قيادات «نداء تونس» أنّ مرشّحيها في الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة المقبلة لن يحصلوا على النتائج التي أحرزوها في الانتخابات السّابقة بما أنّ عددا هامّا من النساء والديمقراطيين لن يجدّدوا ثقتهم في «النداء» وان كانت لأطراف فاعلة في هذا الحزب شبكة علاقات في المدن والجهات.. وهل ستؤدّي تصرّفات هذا الحزب إلى تخلّي من صوّتوا لسي الباجي وللنداء عنهما بعد أن فقدوا ثقتهم بأغلب السياسيين.
كما انّ هناك أسئلة أخرى يجب طرحها: ما هو تأثير الحكومة الأمريكيّة من خلال سفيرها بتونس على اختيار الوزراء ومشاركة النهضة في السلطة؟ ثم ماهو تأثير الاتحاد الأوروبّي على اختيار حكومة ليبيراليّة؟ ثم ما هي انعكاسات إشراك النهضة على التمويلات المنتظرة من قبل حكومتي الإمارات والعربيّة السعودية؟ وما هو موقف الجزائر من إشراك النهضة، علما أن الرئيس عبد العزيز بوتفلية لا يحبّذ إشراك حركة دينيّة في الحكومة التونسيّة لأسباب أمنية.. مهما يكن من أمر، أعتقد أنّ «الطبخة» الحكوميّة لم تكن بقرار وطني بحت، فهي مزيج من المستقلّين وممّن «اقترحتهم» جهات أجنبيّة حتى يكون توجهها الليبيرالي في خدمة مصالحها..
على العموم سنكتشف بعد أشهر قليلة إيجابيات هذه التركيبة من عدمها، مع الإشارة إلى أنّ أغلب الشعب التونسي سيرفض سياسة اقتصاديّة يمينيّة، وسيطالب بقرارات حاسمة تضمن العدالة الاجتماعيّة والجبائيّة، فضلا ـ طبعا ـ عن مكافحة لارهاب والضغط على الأسعار..
انّ طبيعة هذه الحكومة والتخلّي عن وزارات السيادة من قبل النداء يفرضان أكثر من نقطة استفهام، وفكّ الشفرة ليس بالأمر السهل والهيّن.
في الختام بخصوص ما يجري على الحدود وخاصّة في الذهيبة، فمع احترمي لمطالب أبناء الجنوب وحتمية منح الولايات المقصية حقّها وحظّها من التنمية فإنّ الشّغب مرفوض والحلّ في استعمال الوسائل السلمية والمتحضّرة، فحذار من دولة داخل الدولة وحذار من المهرّبين والارهابيين الذين سيحاولون تقسيم تونس لارساء ولاية «الارهاب».. وحذار من ضعف الدولة وحذار من عدم احترام المطالب المشروعة لاخوتنا في هذه الولايات.
منصف بن مراد